يا إلهي ... كان كسيحاً!!

” الساخر كوم ”

كان الوقت عصراً عندما تعطّلت سيارته فجأة (كالعادة) ، نزل منها يكاد يتميز من الغيظ من كل شيء إلا منها. نظر يمنة ويسرة فلم ير أحداً في هذه الحارة الشعبية التي ظن للوهلة الأولى أنها موقع لمعركة دارت أو زلزال ضرب. الجدران متصدعة والشوارع الضيقة تشكو من حفر انتشرت على وجوهها كالندبات القبيحة والأطفال بملابسهم الرثة وأجسادهم التي تثير الشفقة بل والبكاء.

قفز في ذهنه برنامج تلفزيوني تشبث بخلايا ذاكرته لكثرة ما أُعيد عليه وعلينا ” فالتكرار يعلم الـــــ .. شطار” يقفز فيه مذيع أجش الصوت على مسامعنا ليقول جملة واحدة فقط لاغير”.. هذه بلادي”،
قال صالح: نعم …هذه بلادي … وأشار إلى الشوارع.

****
لفت نظره رجلُ مسنُ يتفيأ ظل مسجد الحارة – وهو ليس أحسن حالاً من بقية المباني .. والشيخ كذلك- ويدحرج حبات مسبحته التي صنعت من نوى الزيتون متمتماً بأدعية يظهر أثرها على وجهه سكينة ورضا غير خافيين.

– السلام عليكم …قال صالح محيياً الشيخ وفاتحاً باب الحديث ..

– وعليكم السلام .. رد عليه الشيخ بعد أن رفع إليه نظره..إجلس يا بني فإن الوقوف هو أسوأ عادة يتعلمها الإنسان..

جلس ومن فوره بدأ سيل استفهاماته الذي – كما سنرى – لن ينتهي..

– ولماذا كان الوقوف أسوأ عادة .. قال صالح مبتسماً
– لأنه العجز يا بني..مقنعاً بنية المسير..

– فما هو الجلوس إذاً ؟؟

-الجلوس يختلف .. فهو إن كان عن قوة كان مجرد استراحة..أما إن كان عن عجزِ فهو وضوح.

تمتم صالح قائلاً ” هذا أقل ما أستحق .. لا تجد سيارتي مكاناً تتعطل فيه غير حارة فيلسوف”

-كيف تعيشون في هذه الحارة وهي بهذا الشكل؟؟ سأله صالح.

– نحن لا نعرف كيف نعيش … ولا حتى كيف نموت..
– لماذا لا تذهبون إلى مكان آخر؟؟

– فكرة الذهاب وحدها تحتاج إلى خيارات..

– أنت لا تمانع إذاً في الرحيل؟؟

– ربما لأنه لا توجد خيارات أصلاً .. فيصبح الرفض ترفاً.

– لم أر في حياتي أناساً بمثل عجزكم .. كيف لا تطورون أنفسكم وتبنون حارتكم..؟؟ تساءل صالح مستفزاً

– أجابه الشيخ بابتسامة ماكرة..على الأقل نحن لا ندمر حارات أخرى..
– ماذا تقصد؟؟
– ولا نلقي بتبعات أفعالنا على الآخرين..
– ماذا تعني ؟؟؟؟؟

– ولا نعطي الأوامر لهم كي يعيشوا .. ثم نعطيها كي يموتوا بطريقة تلائم أحاسيسنا..

– أنت تهذي أيها الشيخ..

– بل أنت من لا يريد أن يفهم..

– أنا لا أستطيع أن أغير من واقع الأمر شيئا..

– هذه حجة من يحب الوقوف..

– على الأقل لا أستطيع ذلك وحدي…

– الواقفون كثر..

– الطريق طويل..

– حتى تبدأ المسير فيه..

– وهو شاق ايضاً…

– لذلك لا يرتاده الكثيرون..

– أريد من يعطيني الخطوة الأولى وسأكمل بعدها…

– من يمشي الخطوة الأولى .. سوف يكمل ويتركك على الرصيف..

– ولكن البداية تحتاج الكثير…

– نعم .. العزم والقوة والإيمان..

– لا لا … ليس هذا ما أعنيه.. الخطوة تحتاج دعماً

– الخطوة تحتاج رجالأ…

– الجو العام لا يساعد..

– أنت تختلق الأعذار…

– الخطوة أرض وقدم….

– الخطوة ………………. قرار.

قالها واخذ يزحف على مؤخرته معتمداً على قبضة يديه… مبتعداّ نحو الشارع…

– ……. ” يا إلهي …. كان كسيحاً” … كان صالح يتمتم مذهولاً.

ابن رشد

Archived By: Crazy SEO .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نحو الإنفراد بأمريكا .. أسامه يهادن أوروبا