... وماذا بعد ؟!
” الساخر كوم ”
السؤال علامة الجهل !! ليس دائماً ، ولكن غيابه علامة حمقٍ مزمنٍ وغباءٍ متجذرٍ وثقة العقول الكسولة. ولأني لا أعلم فقد ارتأيت أن أسأل أهل الذكر ، و”أهل الذكر ” الذين حازوا رضا الوالي اجتمعوا في مكة في قصر مرصود .. والقصر كبير يا ولدي وضباط تحرسه وجنود .
الحوار كان نقاشاً عن الغلو والتطرف ، وكل الموجودين نأوا بأنفسهم عن الغلو وعن التطرف فمع من كانوا يتحاورون؟! هذا يشبه رجلاً اختلف مع زميله في العمل فصالح زوجته. الطريف أن “أهل الذكر” كانوا يتعاطون في مكة مفردات سريعة الإشتعال من نوع ” الحوار” و” الإنتخابات” و”الفساد ” وهي مفردات فتحت لبعضهم في السابق أبواب منتجع “الحاير” ليدخلوا من أيها شاءوا لعلهم يقضون وقتاً استجمامياً يشفون بعده مما ألم بهم وجعلهم يهذون بمثل تلك التخريفات.
فمالذي حدث حتى أصبح تداول تلك المفردات طريقاً إلى السلطة بعدما كان طريقاً إلى المعتقل؟ ومالذي نقل الحكومة من النقيض إلى النقيض حتى أصبحت ترعى مثل تلك الإجتماعات بعدما كانت تعدها من الكبائر؟
لكي نعرف حقيقة الأمر يجدر بنا العودة إلى الوراء قليلاً . ففي بداية التسعينات وبعد نهاية حرب الخليج الثانية ظهر للعيان عوار الحكومة ، فالدولة انكشفت كأسوأ ما تكون في تلك الحرب وظهرت معاقة سياسياً مفلسة اقتصادياً أما عسكرياً فكانت ضُحكة للضاحكين. لذلك تنادى المخلصون من خيرة أبناء البلد من علماء ومدرسي جامعات ومشايخ وأدباء وقدموا خطابين إصلاحيين متتابعين ، سمي أحدهما “عريضة المطالب” والآخر “مذكرة النصيحة ” . الخطابان وبالذات “مذكرة النصيحة” قدما تشخيصاً تشريحياً للحالة الموغلة في السوء التي ترسف الدولة في أغلالها جراء الفساد المالي والإستغلال السيء للسلطة و التسيب الإداري على مستوى الإدارة العليا في الدولة ، كما أنها قدمت اقتراحاتها لإصلاح حال الدولة “المائل” بما يتناغم مع الكتاب والسنة . عرضت المذكرة على مفتى المملكة وقتها الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله فتقبلها بقبول حسن وزكاها . ثم قدمت لولي الأمر لعله يقرأ بين سطورها ما يحدث الآن إن لم تصلح الأوضاع ، لكنهم بينما كانوا ينتظرون اجتماعاً لمناقشة آليات التطبيق وجدوا زوار الفجر يقتحمون عليهم بيوتهم ليقضوا معظم السنين التالية في المعتقل . كما فصلوا من أعمالهم ومنعت كتبهم وتسجيلاتهم من التداول.
الجميع ظن أن الأمر انتهى عند هذا الحد . مجموعة من المصلحين اختاروا وقتاً غير مناسب لتغيير مسار الدولة ومحاسبة الفاسدين ، فالحكومة خارجة للتو منتصرة من حرب .. صحيح أنه نصر مستورد ولكنه نصر على أية حال. والشعب لا يعلم إلا ما تريده الحكومة أن يعلمه فهناك تعتيم على كل شيء ، فالمذكرة لم تقرأ إلا في الخفاء وتزكية الشيخ رحمه الله انقلبت إلى فتوى ظهرت في الصحف تجرم اثنين من أبرز مقدمي المذكرة .
ولكن الحقيقة أن الأمر لم ينته عند ذلك الحد فقد أفرزت تلك المرحلة ظهور التيارات الرئيسية الثلاث المعارضة للدولة . أول تلك التيارات كان بقيادة الشيخ أسامه بن لادن ومثله تنظيم القاعدة فيما بعد ، هذا التيار نأى بنفسه عن معارضة الحكومة بشكل مباشر إذ أنه أصبح يرى أن الإصلاح لا يتأتى إلا بإزالة سيطرة قوى الإستعمار الغربية الكبرى ممثلة في اميركا وبريطانيا عن المنطقة . فهي في رأيه تمثل اللاعب الرئيس في اتخاذ القرار وكل السلطات الموجودة في المنطقة هي سلطات غير ذات سيادة ولا تستطيع أن تسمح بعملية الإصلاح فضلاً عن أن تقودها ، وبناءً عليه فقد وجه هذا التنظيم جهوده لإزالة السيطرة الغربية عن المنطقة بالتعامل معها مباشرة .
التيار الثاني تزعمه الدكتور محمد المسعري والطبيب سعد الفقيه ، وهو تيار يرى أن الإصلاح لا يقوم إلا بإزالة العائلة الحاكمة لأنها لم تعد قادرة على إصلاح الأوضاع بل إنها هي السبب الرئيس في سير الأمور من سيء إلى أسوأ . هذا التيار يعتقد بالعمل السلمي مع الدولة و يعتقد أن الإنهيار الفعلي للنظام قد بدأ منذ مدة وأنه لا يحتاج إلى أي عمل مسلح أو ثورة جماهيرية .
التيار الثالث وهو ما يتعارف عليه بالوسطيين يقوده الشيخان سفر الحوالي وسلمان العوده وهما يريان إمكانية الإصلاح من الداخل وأن الدولة راغبة في ذلك ولكنها بطيئة الإستجابة . هذا التيار يراهن على أن الصحوة الدينية للشعب هي ما سيساعد على تسريع عملية الإصلاح كما أنهم يرون أن الخروج من الدولة قد يترك المسرح السياسي فارغاً للعلمانيين والليبراليين ليجتذبوا مساحة أوسع من الشارع الأمي سياسياً.
بقية التيارات كالعلمانية والليبرالية والشيعية لم تنشط بشكل واضح إلا أخيراً بعد قيام ما يسمى ” الحرب على الإرهاب” فيما إذا استثنينا مظاهرة النساء المنادية بقيادة السيارات عام واحد وتسعين، وهذه التيارات في أي مكان في الوطن العربي نلاحظ عدم عودتها إلى الفاعلية إلا في حال وجود تهديد خارجي من الغرب، فهي تستمد قوتها من الخارج دائماً ولا عمق شعبي لها .
بعد ضربة سبتمبر وتنامي قوة الإسلاميين وغزو أميركا للعراق وإسقاط نظام صدام كأول بادرة سوء نية تجاه حلفاء الأمس ، وتواتر الحديث في دوائر القرار الغربية عن ضرورة دمقرطة الشرق الأوسط والتغيير في التربية والتعليم ، وانتشار المعلومات خارج رقابة الدولة ، ظهرت الدولة أضعف من أن تستطيع مقاومة كل تلك الضغوط وأصبح إقرار الحوار كإجراء استباقي محاولة للكسب الإعلامي أكثر منها خطوة في طريق الإصلاح .وظهر التخبط كثيراً في نفي وجود قوات أميركية ثم إثبات ذلك ثم نفي تغيير المناهج التي أقرت تغييرها قمة مجلس دول التعاون الأخيرة ، وتنوعت النشاطات بين حوار في مكه بين مشايخ وعلماء وأدباء تلاه مباشرة منتدى جده تفتتحه لبنى العليان كاشفة الوجه حاسرة الشعر ويفتي فيه كلينتون بأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان سيسمح لأمهات المؤمنين بركوب السيارات. هذا الأمر استدعى صدور بيان قوي اللهجة – على غير العادة – من المفتي الشيخ عبدالعزيز ال الشيخ وجه فيه توبيخاً للمنظمين و تقريعاً للحكومة تلاه مباشرة – فيما يشبه الرد- تصريح لولي العهد يقول فيه بأن الإصلاح مستمر ولكن شيئاً فشيئاً .. وإذا كانت “شيئاً” الأولى هي خروج لبنى العليان بهذا المنظر غير بعيد من بيت الله الحرام فإلى أين ستصل بنا الـ”شيئاً” الأخيره!!.
مركز الحوار الوطني له مجلس يديره تعينه الحكومه . وهذا المجلس يدعو من ترضى عليه الحكومة ليناقش مع آخرين مرضي عليهم أمور الدولة . ولا يسمح لغير المدعوين أن يحضر الجلسات كما أنه محرم على وسائل الإعلام بإجماع الصحفيين . فهكذا حوار أعمى أصم كسيح .. إلى ماذا سيؤدي غير الهاوية . حوار مكة تبرأ فيه الوسطيون من التفجيرات وتبارى العلمانيون والليبراليون في إظهار النساء أما الشيعة فقد أتوا ليثبتوا أنهم تقدموا خطوة أخرى على رقعة شطرنج الحصص.
Archived By: Crazy SEO .
تعليقات
إرسال تعليق