الرمح في قلب " الأسد"

” الساخر كوم ”

بسـم اللــه الرحمــن الرحيــم

مساءٌ أوروبيٌ ساحر . سماءٌ صافيةٌ ونسيمٌ عليل ورجلٌ يخطو بصحبة زوجته الذين لم يكونا على علمٍ بأن خطواتهما تقودانهما إلى لحظةٍ انقلب فيها التاريخ!!. في لمح البصر انطلقت الرصاصات من سلاح الشاب الغاضب لتردي الرجل وزوجته قتيلين ولتوقظ مارد الحرب ليلتهم نصف الكرة الأرضية . كان ذلك مساء الثامن والعشرين من يونيو عام 1914م عندما اغتال “جافريلو برينسيب” الأرشيدوق “فرديناند هايسبورج” ولي عهد النمسا وزوجته الكونتيسة “صوفي” ، ذلك الإغتيال كان الشرارة التي فجرت الحرب العالمية الأولى.

وما أشبه اليوم بالبارحه ، فالحريري إذ أغتيل لم يكن مجرد رئيس وزراءٍ سابق ، ولا قائداً للمعارضة فحسب ، بل كان نظاماً دولياً متكاملاً بعلاقاته السياسية والمالية والشخصية. فالرجل كان محسوباً على بعض الدول لكنه كان يحظى باهتمام جميع الدول.

والحديثُ كثُر عن كون سوريا وراء الإغتيال . لكني اعتقد ان الانسياق خلف هذا القول يشي بكسلٍ فكريٍ واتكاليةٍ عقليةٍ مخجلة. فسوريا أكثر من خسر بهذا الإغتيال في هذا التوقيت بالذات ، فالرجل لم يكن مستعصياً عليها إلى الدرجة التي تفكر فيها بإزالته نهائياً من المشهد السياسي وهو من علمت قدره وعلاقاته كما أن هذا التوقيت ليس المناسب لتستعدي عليها من كانوا على الأقل في صف الحياد.

الحريري قُتل ليصبح “قميص عثمان” يبكي تحته جنبلاط وشيراك ويطلب ثأره بوش.

ولكي نحاول فهم القصة يجدر بنا العودة إلى الوراء قليلاً “كالعادة”. فالحريري في آخر أيامه كان يتحدث عن لقاءٍ قريبٍ مع القيادات السورية وأن النقاش سوف يكون تحت سقف “اتفاق الطائف” . لكن المدهش أن المعارضة ” جنبلاط وحماده والبقية” كانوا يصعّدون الموقف في مواجهة تصعيدٍ “أغبى” من الحكومة اللبنانية. فمالذي يدفع سوريا لاغتيال رجلٍ تستطيع التأثير عليه عن طريق السعودية ( بما أنه رجلها في المنطقة ) ، ومالذي يدفعها لاغتيال الشخص الوحيد من المعارضة الذي تستطيع به اختراقها سيما وقد بدأ في الحديث عن لقاءاتٍ مع السوريين.

ولكي نستطيع مقاربة المشهد بشكله الواسع فإن من المفيد معرفة المستفيد الأكبر ، ليس من اغتيال الحريري فقط ، بل من محصلة العملية ككل . فالعملية ليست اغتيال الرجل ، إغتياله هو المرحلة الأولى فقط.

المشهد كالتالي:

سوريا هي الركن الوحيد القوي المستعصي على ذهب المُعزّ وسوطه. العراق يغلي ومصر أُدخلت إلى الحظيرة منذ اتفاقية كامب ديفيد والسعودية لا شبيه لها إلا “تيم” التي قال “جرير”. والهدف هو تطبيق سيناريو العراق على سوريا ولكن لا كويت بجانب سوريا لتغزوها ولا صدام لتفكر في إغرائه . فما الحل؟؟ .

كما أن الحصار لن يتأتى إلا بموافقة مجلس الأمن وفيه “روسيا” و ” فرنسا” اللتان تربطهما بسوريا و”الحريري” علاقاتُ تتجاوز مرحلة التميز إلى الشراكة . وأمريكا أضعف من أن تستطيع مواجهة سوريا والعراق لوحدها . ولكن بقاء الوضع على ما هو عليه في العراق وعدم تركيع سوريا يقود إلى أيامٍ سود تنتظر أمريكا ومصالح أمريكا في الخليج.

وأمريكا هي سيدة الضربات الإستباقية ، وأفضل من يضع سيناريوهات تصرف الضحايا وأبرع من يحسب تلك الحسابات – فيما إذا استثنينا “القاعدة”- وأقل الناس اكتراثاً بثمن المخططات ما دامت ناجحة.

قتل الحريري وفي لبنان وفي هذا الوقت المشحون بالتخوين والتهديد سوف يقود كل الأصابع إلى سوريا وكل التهم إلى سوريا وكل اللوم إلى سوريا. وفرنسا التي ربما كانت تبحث عن عذرٍ لتقدم لأمريكا خدمة علها تصفح عن ما مضى من أمر معارضتها لحرب العراق ، وجدت نفسها تبحث عن ثأر. وروسيا التي فقدت البترول في العراق بسبب معارضة الحرب وجدت في هذه الحرب الجديدة – التي ستحدث شاءت أم أبت- فرصة تعويض لا ينبغي تفويتها .

الآن سوف يجتمع مجلس الأمن قريباً ليقر حصاراً على سوريا . يهدف إلى إضعاف قدراتها العسكرية عبر حرمانها من القيام بالمناورات الأساسية وحصار قطع الغيار التي تحتاجها معداتها العسكرية وحجب الدورات التدريبية عن القيادات العليا للقوات المسلحة . كما يهدف إلى زعزعة الأمن الإقتصادي للدولة ما يقود إلى إختلال اجتماعي يصعب السيطرة عليه . فسوريا ليست مثل العراق وبشار ليس كصدام ووزراءه ليسوا كأعضاء مجلس ثورة صدام . والشعب العراقي تعود على التقشف والقبول بالأمر الواقع عبر ثلاثين عاماً من الحروب لكن السوريين ليسوا كذلك . كل هذه الأمور تراهن عليها أمريكا لإسقاط نظام البعث السوري بدون حرب ، فإن لم يحدث ذلك – على أسوأ فروضهم- فلتكن حرباً خاطفة بعد سنين الحصار الطويلة تماماً كما حدث في العراق.

ماذا يجب أن تفعل سوريا؟؟‍

أكبر الأخطاء التي يقع فيها النظام السوري الآن هو مسلسل التنازلات الذي بدأه بتفكيك مجاميع المقاومة التي يشرف عليها جهاز مخابراته في العراق. فالعراق هو أفضل مكان لاستنزاف امريكا مادياً وعسكرياً وسياسياً . أما هرولة بشار الأسد إلى السعودية أخيراً “لمناقشة الأوضاع السياسية” فما أشبهها بقول القائل:

والمستجير بعمرٍ عند كربته *** كالمستجير من الرمضاء بالنار

فهي المندوب السامي لأمريكا في المنطقة لا تعصيها ما تأمرها ولك أن تتخيل أنها لا تأمرها بمعصية ‍‍.

التنازلات أشبه ما تكون بماء البحر لا يزداد شاربه إلا عطشاً ، وهي لا يزداد بها مقدمها إلا ذلاً وركوعاً. وهي لن تغني عنه شيئاً مما خططه له القوم . الحرب على سوريا بدأت باغتيال الحريري ، صحيح أنها لم تبدأ بالقصف لكن تلك مسألة وقت.

وبما أن الحرب قد بدأت فيجب على سوريا طرح فكرة تجنب الحرب جانباً والبدء في التخطيط لإدارة هذا الصراع العسكري الحقيقي. فالحصار وبالتالي الحرب بدأتا فعلاً . يجب أن يتخذ الأسد قرارات حاسمة وتاريخية في هذه الأثناء فالمناورات والوساطات وتقديم التنازل تلو التنازل لن تقدم أو تؤخر فقرار حصار سوريا وتركيعها قرار أمريكي استراتيجي لا مجال لنقاشه أو التنازل عنه. وما سوف تستفيده سوريا هو بعض الوقت لإظهارها أكثر ذلاً أمام العالم . فالعراق قدم التنازلات تلو التنازلات حتى فتشوا غرفة نوم الرئيس ، ومع ذلك اجتاحته أمريكا ومن لم يرَ ما فعلوه في العراق أمس بالتأكيد لن يستطيع أن يرى ما سيفعلوه بسوريا اليوم وليس غداً.

ولو كنت مكان الأسد – والحمد لله أني لست مكانه- لبدأت بالضرب داخل أمريكا عبر مجموعات من الإستشهاديين المدربين على استهداف النقاط الحيوية في الإقتصاد الأمريكي . و استهداف القواعد العسكرية و الإقتصادية الأمريكية في دول الخليج وتركيا ومصر. هذا ما سوف يشتت التفكير الموجه نحو استلاب القدرة العسكرية السورية عبر سنين الحصار و محاولة العزف على وتر الغضب الجماهيري.

إشعال المنطقة سوف يدفع بدخول الدول الكبرى لتهدئة الوضع والوصول إلى حلول أخرى لم يكن ليطرحها الأمريكي أساساً كما أنه سيفتح عدة جبهات على المخطط الأمريكي وهو إلى ذلك سوف يزيد من السخط الدولي على النهج التسلطي ما قد يقود إلى إختلال التحالف الذي تقوده أمريكا ، كما أن الإستهداف داخل أمريكا سوف يزيد من العبء الإقتصادي المتعاظم على كاهل الدولار المرهق ويرفع من أسهم الديمقراطيين الذين يعارضون النهج الاستعماري المكشوف الذي يقوده فريق بوش الحاكم.

كل انتظار تقضيه سوريا في غير الإعداد والتخطيط لهذه الحرب سوف تعض عليه أصابع الندم حين تستتب الأمور لأمريكا بعد حين عندما يُعلن عن حصارها في مقر الأمم المتحدة المنتصب – لتزداد السخرية مرارة- في نيويورك.

ابن رشد

Archived By: Crazy SEO .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نحو الإنفراد بأمريكا .. أسامه يهادن أوروبا